ما هذا الأسلوب سفر اخبار الاول والثاني

لا ندخل في تفاصيل الروايات ولكن اذا قارناً على وجه عام بين أسفار صموئيل والملوك وسفر الأخبار الأول الثاني أمكننا أن نستخلص بعض المبادىء التي سار عليه المؤرخ في تأليف الكتاب لقد أخذ أولاً بطريقة الحذف فلم يحفظ في مراجعه إلا ما أراد أن يرويه وفقاً للفكرة التي كونها عن مؤلفه

كان تاريخ ملك داود وسلالته في نظره التاريخ الصحيح لشعب الله وصيره ولذلك فقد أهمل كل ما يتعلق بتاريخ مملكة اسرائيل بعد الانشقاق واكتفى برواية تاريخ مملكة يهوذا وعاصمتها أورشليم وعلى هذا النحو ترك عدداً من الأحداث والوقائع لم يكن قيمة في نظره لابراز أمجاد ملك داود وسليمان أو كانت غير موافقة لهما زنى داود وتمرد ابشالوم والترف وعبادة الاصنام في أواخر ملك سليمان

هذه الطريقة تفسر لنا بعض الشيء ما قد نجده من النواقص في هذا العمل التاريخي فليس هناك أي تلميح إلى الجلاء إلى بابل ولا آية معلومات عن حقبات تاريخية طويلة تقع بين الجلاء واصلاح عزرا ونحميا ويشكل ذلك أكثر من قرن

ثم العمل الذي قام به المؤرخ باستعماله المواد ليجعل منها مراجع هو عمل تكييف للآمور فسواء لم تكن تهمه دقة التسلسل الزمني أم كانت له آراء لاهوتية توجه عمله في رواية الأخبار فلقد عرض الأحداث كما يعرضها شاهداً مستنيراً بضوء شخصيته وزمنه

فهو ينسب دائماً مصائب الملوك والشعوب إلى العصيان لله وبالعكس فإن البركات التي ينعم بها الله هي دائما ثمرة ما للاشخاص من غيرة وأمانة للهيكل والعبادة وكثيراً ما يعسر علينا تفسير التغييرات في الترتيب الزمني إذ انها تخضع على ما يبدو لأسباب لاهوتية أكثر منها تاريخية ولا سيما في سفري عزرا ونحميا

أيجوز لنا أن نقول ان سفري الأخبار الول والثاني هي كما قيل أحياناً مؤلفات ذات نزعة؟ ان مثل هذا الرأي هو حكم فيه ذم وغير منصف لكاتبها الذي أراد أن يعرض لنا تفكيراً لاهوتياً في التاريخ أكثر مما أراد ان يقوم بعرض تاريخي موضوعي كامل

لم يكن عمله كالعمل الذي يقوم به مؤرخ من عصرنا بل كان عمل مؤمن ولاهوتي يرى في التاريخ شاهداً على عمل الله الدائم وصورة حقيقية وأن غير كاملة لملكوت الله

وأخيراً فإن أسلوبه في التأليف يتضمن عملاً يراد به إكمال ما ورد في المراجع الرئيسية من أخبار أي في أسفار صموئيل والملوك

واستعمل المؤرخ وثائق أخرى وتقاليد خطبة وربما شفهية أيضاً في بعض مظاهر تاريخ الشعب فأتى بتفاصيل مكملة لا ترد في سائر أسفار القانون العبري وهي لذلك ثمينة جداً لنعرف هذا التاريخ على وجه أفضل

وان كانت بعض فقرات نصه تعبر عن أفكاره الشخصية وتصوره للأشياء فليس الأمر على هذا النحو بالنظر إلى عدد كبير من التفاصيل التي لا يمكن أن تكون من عمل محيلته بل قد عثر عليها في مراجع لا نعرفها الآن

ثم أننا نستطيع أن نعرف كيف كان يعالج مراجعه بالمقارنة بين فقرات عماه وما يوازيها في أسفار صموئيل والملوك

وإن كان في إمكاننا أن نهتدي هنا وهناك إلى التنقيحات اللاهوتية أو الأدبية فالقراءات المختلفة هي أغلب الأحيان من النوع العرضي فقد عرف المؤرخ النص العبري لأسفار صموئيل والملوك في حالة أقدم من التنص الذي في أيدينا ولحقت بأسفار صموئيل والملوك تارو وبسفري الأخبار الاول والثاني تارة أخطاء لا يمكن اجتنابها النساخ

والمقارنة بين هذه النصوص في حالتها الحاضرة تفيدنا إفادة ثمينة عن التناقل الممكنة في سائر أسفار الكتاب المقدس وهي ترينا في الوقت نفسه أن المؤرخ كان ينقل مراجعه عادة بامانة كبيرة ولكنه كان يوجه مجمل الرواية بمهارته في الحذف أو بحكمته في الاقتباس من مراجع مكملة أخرى

وفي آخر الأمر فإن طريقة المؤرخ في التأليف الأدبي لها صلة وثيقة بتصوره للتاريخ وباقتناعاته اللاهوتية وهذا ما يفيدنا توضيحه

اعداد الشماس سمير كاكوز

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سفر اخبار الايام الاول 3 : 1 - 24 بنو داود